+ الصليب هو جوهر إيمانُنا , و المسيحيون على إختلاف طوائفهم , يؤمنون بالسيد المسيح إلهاً مُتجسداً مُتأنساً مصلوباً قائماً من بين الأموات " لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلّا يسوع المسيح و إياه مصلوباً " (1كو2:2) , بل أن من لا يؤمن بذلك يكون
عدواً للسيد المسيح و تابعاً للشيطان , بل أن الصليب هو موضوع حُبنا و اعتزازنا و إفتخارنا , لأن به كان خلاصنا , به هزم لنا الرب الموت و الشيطان و الخطية , " حاشا لي أن أفتخر إلّا بصليب ربنا يسوع المسيح " (غل 14:6) . و بمناسبة عيد الصليب
أُكلمك عن الصليب من ثلاث جوانب :
الصليب حقيقة تاريخية ..
أولاً : الأدلة المسيحية :
1- الكتاب المُقدس : و هو بين أيدينا و في مُتناول يد كل من يطلبه , و العهد القديم فيه يتكلم عن السيد المسيح الذي سوف يتجسد و يُتمِم الفداء بموته على الصليب و بقيامته من بين الأموات , و ذلك في نبوات واضحة جداً , و العهد الجديد يتكلم عن السيد المسيح الذي تجسد و تمم الفداء بموته على الصليب و قيامته المجيدة .
2- قوانين و تعاليم الآباء الرُسل : و أقوال الآباء القديسين الأولين , و التي ترجع للقرن الأول و ما بعده , و هي أيضاً مُتوافرة في كل مكان في كُل أنحاء العالم .
3- الآثار المسيحية :
أ- خشبة الصليب و إكليل الشوك و المسامير و الحربة , وكل المُتعلقات بمادة الصلب , بل و الكفن المطبوع عليه صورة السيد المسيح و هو مدفون بصورة مُعجزية فائقة للعقل حيّرت العُلماء , و كلها موجودة و إن كانت موزَعَة على كنائس مُختلفة .
ب- الآثار الموجودة في القُدس و كلها تحكي حياة رب المجد يسوع من ميلاده إلى قيامته و صعوده .
ج- الكنائس و الأديرة الآثرية , و الآثار المسيحية المُختلفة التي ترجع إلى القرن الأول المسيحي و ما بعده .
4- طقوس الكنيسة :
أ- الصليب المرفوع على منارات الكنائس مُعلناً عن إيماننا , بل يُستخدم كوِحدَة رسم مرسومة على كُل ما فيها .
ب- الصليب يُستخدَم في كُل طقوس و صلوات الكنيسة , و ما مِن طقس يتم بدون استخدامه , بل و طقوس الكنيسة كلها قائمة على موت السيد المسيح و قيامته , فالقُداس الإلهي نتناول جسد الرب المصلوب القائم و دمه الكريم , و تذكُّر حياته و خدمته من تجسده إلي قيامته و صعوده , و المعمودية موت و قيامة معه , و صوم الأربعاء و الجمعة و أسبوع الآلام و كُل يوم أحد تذكار دائم لذلك , و ألحان الكنيسة كُلها تعلن عن ذلك .
ثانياً : الأدلة غير المسيحية :
1- التلمود اليهودي و يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير الذي عاصر خراب أورشليم شهدا بذلك .
2- المؤرخون و الفلاسفة الوثنيون مثل تاسيتوس (ولِد55م) , و لوسيان أعظم كُتّاب اليونان , و كلسوس الفيلسوف (140م) و غيرهم تكلموا عن شخص السيد المسيح , كما نؤمن به .
3- صورة حُكم بيلاطس البنطي و تقارير مواد في الدولة الرومانية عن السيد المسيح و عن التُهمة الموجهة إليه و التي من أجلها صُلب , و عن إيمان المسيحيين موجودة حتى اليوم .
الصليب حقيقة منطقية ..
أولاً : المسيحيون رغم إختلافهم في أمور مُختلفة , لا يختلفون على حقيقة صلب السيد المسيح و إنها علامة الخلاص .
ثانياً : لو كان الرب يسوع وعد تلاميذه بقيامته و لم يقم , فهل كانوا يكرزون بالإيمان به؟! و هل كانوا يُبشرون به بهذه القوة و الغيرة و الشجاعة ؟! و هل كان الله يؤيدهم في كرازتهم حتى أنهم نشروا المسيحية في العالم كله ؟
ثالثاً : و هل كان الشُهداء يُقدمون حياتهم , مُحتملين أشدّ العذابات من أجل الإيمان ؟
رابعاً : أي ملك أو زعيم دام ذكرهُ و آمن به المليارات من البشر و عبدوه , مثل يسوع الناصري الذي وُلِدَ و عاش فقيراً و مات مصلوباً , لو أنه بالحقيقة الإله المُتجسد الذي قَبِلَ الموت بالصليب من أجل خلاص البشر , و أيد الكرازة بإيمانه بالروح القُدس الذي
سكبه على الكنيسة ؟
خامساً : لو كان الصليب مجرد أداة موت و إعدام , ما كانت محبة المصلوب تملُك على قلوب المؤمنين , و يصير موضوعاً للإيمان و مجالاً للإفتخار , و مادة لتأمُل الأُدباء و الشُعراء و جميع المؤمنين , و أسلوباً للحياة نحيا به قابلين الآلام و الضيقات بشكر و
فرح ليكون لنا قيامة مع السيد المسيح .
سادساً : أي أب أو أُم لم يُعلِّم أطفاله رسم علامة الصليب مُنذُ نعومة أظافره ؟
الصليب ضرورة روحية حتمية ..
+ الكتاب المُقدس بعهديه يعلن أن أُجرة الخطية هو موت أبدي , فالخطية غير محدودة و عقابها غير محدود لأنها موجهة لشخص الله الغير محدود , قد عصى أدم و حواء أمر الله فأستحق عليهما و على نسلهما بالموت الأبدي , لأن الطبيعة البشرية كلها فسدت , و لأن عقوبة الخطية غير محدودة , فلابد أن تكون الكفَّارة غير محدودة , و لم يكُن من البشر من يصلُح لذلك لأن الجميع زاغوا و فسدوا , و كُل مخلوق مهما كانت قداسته محدود , لذلك قال أيوب الصدّيق : "لأنه ليس إنسان مثلي فأُجاوبهُ فنأتي جميعاً إلى المُحاكمة , ليس بيننا مُصالح يضع يده على كلينا"(أي 33:9) , و قال إشعياء النبي : "فرأى ألله أنه ليس إنسان و تحيّر من أنه ليس شفيع فخلَّصت ذراعه لنفسه"
(إش16:59) و المزمور يقول : "الأخ لن يفدي الإنسان فداء و لا يُعطي الله كفّارة عنه و كريمة هي فدية نفوسهم فغلقت الي الدهر , حتى يحيا إلى الأبد فلا يري القبر , بل يراه , الحُكماء يموتون و كذلك الجاهل و البليد يهلكان .. إنما الله يفدي نفسي من يد الهاوية"(مز 7:49-10)
+ لذلك تجسَد السيد المسيح الله الكلمة و بطبيعتنا البشرية صُلِب على الصليب , وعلى هذا المذبح أستوفى العدل الإلهي حقه من كل البشرية في شخص السيد المسيح المصلوب , على الصليب إلتقى العدل و الرحمة " الرحمة و الحق إلتقيا البِر والسلام تلاثماً الحق
من الأرض ينبت و البِر من السماء يطلع"(مز10:85-11) , لذلك تقول رسالة العبرانيين : "و أما المسيح و هو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم و الأكمل غير مصنوع بيد أي الذي ليس من هذه الخليقة , و ليس بدم تيوس و عجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً"(عب11:9-14) , و لذلك إنشق حجاب الهيكل القديم عندما أسلّم الرب الروح , إشارة إلى الصُلح بين الله والبشر , بالتكفير عن خطية الإنسان التي فصلته عن الله .
+ إن الصليب أذاب قلوباً قاسية ففاضت بالحُب و الحنان و الرحمة , و أحنى نفوس مُتشامخة فعلّمها التواضُع و صارت في وداعة الحملان , و شكّل طباعاً خشنة فصارت رقيقة مُهذبة , و قضى على الأحاسيس النجسة فصيِّرت الملايين قديسين , و سبى بالنفوس المُتكِّلة على الماديات , فإتجهت بكليتها للسماويات ..
+ إن الصليب يعلِن لك قيمة حياتك عند الله , و قيمة مجد الآبدية الذي ينتظرك , كما يعلن نظرة الله للخطية , فهل تُقدِّر قيمة نفسك ؟ و هل تُقدِّر محبة الله لك ؟ فتشكره و تُسلِّم له قلبك و حياتك , هل عرفت حجم خطاياك فتتركها و تفرحهُ بقداسة حياتك ؟ ليتك تُجدد
العهد معه الآن و تتقدم إليه بتوبة قلبية و اعتراف صادق , و تقبل شَرِكة جسده و دمه و تُداوم على ذلك , و قُل شُكراً لله على عطيته التي لا يُعبَر عنها , ماذا أُقدِم لك يارب من أجل كثرة إحساناتك ..
نصحى بشرى